الخميس، 2 يوليو 2015

ما هو مفهوم العدل

العدل والمساواة فى المجتمع
مقدمه
يخطئ كثير من الناس عندما يقول أو يظن بأن الإسلام دين المساواة المطلقة، والصحيح أن الإسلام دين العدل وليس المساواة المطلقة. فالمساواة المطلقة فتح للباب على مصراعيه وهو عبث، بل يصادم نصوص الشرع الصريحة الواضحة التي تنفي المساواة بين بعض الأشياء، مثل قول الله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُون) وقوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين مساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين والتفريق بين المفترقين". وقال أيضاً: "لم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل" انتهى. بمعنى: إذا فرّق الشرع بين أمرين فهو العدل، وإذا ساوى بينهما فهو العدل. واليوم يعصف بالأمة تيارات فكرية مختلفة، وقد تنوعت صور الكيد والمكر الفكري بثقافة الأمة وهويتها، وهناك طرح قوي من بعض التيارات اليوم تنادي بالمساواة، من خلال كتابات أو مقابلات أو لقاءات صحفية أو فضائية، تسعى جاهدة بمكر وخديعة إلى إقناع الناس بأن الإسلام دين المساواة، ومع الأسف انطلت هذه اللعبة على الكثيرين من أبناء الأمة رجالاً ونساءً، وصاروا يطالبون بالمساواة في بعض المجالات التي تتعارض مع أحكام الشرع المطهر، وصار هناك توسع في الطرح، وقد ترتب على التوسع في مفهوم المساواة آثار خطيرة جداً تناقض أصولاً، وتناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة. ويمكن إجمال أهم الفروق بين العدل والمساواة في الآتي:
أولاً: إن العدل في الشرع مأمور به ومرغَّب فيه مطلقاً في كل مكان، ومع أي شخص كان. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِوَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَأَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون) وقال تعالى: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِوَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِيَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون). أما المساواة فمنفية في بعض المواضع، كما في قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّيَسْتَوُون).
ثانياً: إن العدل يشمل التسوية والتفريق وكلاهما موجود في الشريعة. أما المساواة فهي تشمل التسوية فقط، فالإسلام دين العدل وليس دين المساواة المطلقة، لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين شيئينِ الحكمةُ تقتضي التفريقَ بينهما. ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى؟! حتى إن الشيوعية قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم، لا يمكن أن يكون لأحد سلطان على أحد، حتى بين الوالد والولد، ليس للوالد سلطة على الولد، وهلمَّ جرّاً. لكن إذا قلنا بالعدل، وهو إعطاء كل أحد ما يستحقه، زال هذا المحذور. وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواضع عن المساواة بالعدل، وذلك لما جاءه بشير بولده النعمان، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّى أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحةَ عَطِيّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ!". قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ". فمن العدل التسوية بين الزوجات في النفقة، ومن العدل التسوية بين الأولاد في العطية، ومن العدل التفريق بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة.
هناك صور يوجد فيها المساواة في الإسلام يستغلها أصحاب الفكر المنحرف، ودعاة المساواة المطلقة إما للتشكيك في الشرع بدعوى التناقض لوجودها هنا وانتفائها هناك، أو للاستدلال بها على المساواة المطلقة، وكِلا الأمرين باطل. ومن هذه الصور:
أولاً: المساواة في أصل الخلقة: والمقصود بذلك أن الناس في أصل الخلقة سواء، أي في الإنسانية، فكل الناس لآدم وآدم خلق من تراب، لا فرق بين أبيض وأسود وأحمر، ولا طويل ولا قصير، ولا عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير). فجميع الناس في أصل الخلقة سواء، وعلى هذا قامت الشريعة.
ثانياً: المساواة في أصل الخطاب الشرعي بالإسلام: إن الخطاب الشرعي بالإسلام جاء للناس جميعاً، العرب والعجم، البيض والسود، دون تمييز، لأن الله تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون)، فالخطاب موجه للناس جميعاً دون تمييز. فلا يجوز أن يقال إن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لجنس دون جنس، ولا لجهة دون جهة. ومن آمن من الناس كان أصل خطاب التكليف موجهاً إليهم جميعاً رجالاً ونساءً على قدم المساواة، إلّا ما خصه الشارع لحكمة يعلمها. قال الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْض)، فأركان الإسلام الخمسة بالجملة يطالَب بها الرجال والنساء، وأركان الإيمان الستة يطالب بها الرجال والنساء لم تستثنِ الشريعة واحداً منهم، والترغيب في فضائل الأعمال للرجال والنساء، كالإنفاق، والدعوة إلى مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة وغير ذلك.
ثالثاً: المساواة في الحكم بين الناس: وفي الحُكْم بين الناس لا يجوز التفريق بين الخصمين لأي سبب من الأسباب، لذلك قال الله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون) فلا يجوز أخذ حقوق الناس بمجرد العداوة والبغضاء، لأن الإسلام دين العدل. وقد قضى شريح القاضي ليهودي بدرع، مع أن الخصم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلم يعرف الإسلام الظلم في تاريخه بل كان العدل شعاره.
- العدل الصفة بمعنى الاستقامة، والوزن القويم الصحيح.
- والعدل الاسم بمعنى الذي فعله حسنا وصوابا قويما وفيه الإنصاف وحفظ وصيانة الحقوق .
- والعدل اسم من أسماء الله الحسنى فالله تعالى كامل الصفات الحسنى والقدوس المنزه عن كل نقص وعيب فهو العدل في ذاته وكل ما يصدر عنه عدل ، وهو مصدر العدل وعدله مطلق وكل قوله وفعله عدل .
حقيقة العدل والمساواة
هو فصل الحكم على ما في كتاب الله - سبحانه وتعالى - وسنة رسوله (ص) لا الحكم بالرأي المجرد .
وقيل : بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقين في حقوقهم .
وقال ابن حزم : هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه.
وقال الجرجاني : العدل الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط .
والعدالة في الشريعة : عبارة عن الاستقامة على طريق الحق باجتناب مما هو محظور دينياً .
يقول ابن قيم الجوزية ( ت 597 هـ ) : (( إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله ، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات ، فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه )) ص 14 ،
والأمة الإسلامية مكلفة بتحقيق العدل في الأرض وأن تبني حياتها كلها على أصول العدل حتى تستطيع أن تحيا حياة حرة كريمة ، ويحظي كل فرد في ظلها بحريته ، وينال جزاء سعيه ، ويحصل على فائدة عمله وكده .
الآيات الواردة في العدل والمساواة
( أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( الأنعام 114 ، 115 )
( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( النحل 76 )
( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( النحل 90 )
( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) ( الشورى 15)
( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ ) ( المائدة 106 )
( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) ( النساء 58 )
وهنا في هذه الآية الكريمة أمر من الله سبحانه وتعالى للحكام وكل من رعى رعية أن يحكم بينهم بالعدل وقد ذكر سيد قطب ( 1412هـ ) في هذه الآية :
(( فأما الحكم بالعدل بين الناس ، فالنص يطلقه هكذا عدلاً شاملاً ( بين الناس ) جميعاً لا عدلاً بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه (( إنساناً )) فهذه الصفة ــ صفة الناس ـ هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني . والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل ـ حتى حكمت في أمرهم ـ هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط ـ في هذه الصورة ـ إلا على يد الإسلام . وذلك هو أساس الحكم في الإسلام ))
( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ( الحجرات 9 )
( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) ( النساء 3 )
الأحاديث الواردة في العدل والمساواة
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )) رواه مسلم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل ، وشاب نشا بعبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) رواه مسلم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الإمام جُنة يقاتل من ورائه ويتقى به ، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل ، كان له بذلك أجر ، وأن يأمر بغيره كان عليه منه )) رواه مسلم .
عن النعمان بن بشير قال : (( تصدق عليّ أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهد على صدقتي فقال له رسول الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال لا قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة )) رواه مسلم .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : (( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً ، فقلت : يا رسول الله ، ترسلني وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال : إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر ، كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضياً أو شككت في قضاء بعد ، )) أخرجه أبو داود .
من الآثار وأقوال العلماء في العدل والمساواة
قدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق فقال : لقد جئتك بأمر ما له رأس ولا ذنب،فقال عمر بن الخطاب :ما هو؟ قال: شهادات الزور ظهرت بأرضنا . فقال عمر : أو قد كان ذلك ؟ قال نعم. قال عمر : والله لا يؤمر رجل في الإسلام بغير العدول .
قال ابن حزم رحمه الله تعالى : أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه على الحق وإيثاره .
قال ابن تيمية عليه رحمة الله:إن الناس لم يتنازعوا فإن عاقبة الظلم وخيمة،وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروي:الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة،ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة .
قال ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس - لما سأله عن ما جاء بهم؟-: إن الله ابتعثنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة الله،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه،فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه،ومن أبى قاتلناه،حتى نفئ إلى موعد الله.قالوا:وما موعد الله؟قال:الجنة لمن مات على قتال من أبى،والظفر لمن بقى.
قال ابن القيم : التوحيد والعدل هما جماع صفات الكمال .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : أمور الدنيا تستقيم في الدنيا مع العدل ، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق . ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام .
تطبيق مفهوم العدل في صدر الإسلام
لا غرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يطبق ما يوحي إليه من ربه سبحانه وتعالى ، فقد روت عائشة رضي الله عنها ، أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول صلى الله عليه وسلم ؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أتشفع في حد من حدود الله ؟ )) ثم قام فخطب ، فقال : (( يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد , وايم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ، لقطع محمد يدها )) رواه البخاري ، ( جـ 7 ، ص 329 ) .
فكان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قمة العدالة وتنفيذ لأوامر الله سبحانه وتعالى على الشريف الضعيف وتدريباً عملياً لأصحابه على تطبيق العدل .
ومن صور العدل ما أورده أبن هشام ( 218 هـ ) :
(( عن أحد أصحاب رسوا الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه القصاص لأنه يعرف أنه عادل وكيف لا يكون كذلك وهو يدعوا إليه (( إن رسول الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر وكان في يده قدح يعدل به وكان (( سواد بن غزية )) خارجاً من الصف فطعن بطنه بالقدح وقال استو يا سواد . فقال سواد : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل قال : فاقدني . فكشف الرسول صلى الله عليه وسلم على بطنه وقال استقد ( اقتص ) يا سواد ثم قام سواد وقبل بطن المصطفى عليه الصلاة والسلام حباً له حتى يكون آخر العهد أن يمس جلده جلد النبي صلى الله عليه وسلم )) ، ( جـ 2 ص ، 202 ) .
أورد ابن الأثير في جامع الأصول الواقعة التالية عن عمر بن الخطاب ( ت 606 هـ ) : (( عن سعيد بن المسيب يرحمه الله (( أن مسلماً ويهودياً اختصما إلى عمر ، فرأى الحق لليهودي ، فقضى له عمر به ، فقال له اليهودي : والله لقد قضيت بالحق ، فضربه عمر بالدرة ، وقال : وما يدريك ؟ فقال اليهودي : والله إنا نجد في التوراة أنه ليس من قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ، ويوفقانه للحق ، ويوفقانه للحق ما دام مع الحق ، فإذا ترك الحق عرجاء وتركاه )) جامع الأصول ، ( جـ 10 ، ص 170 ) .
فوائد وثمرات العدل والمساواة على الفرد والمجتمع والدولة
- الأمن لصاحبه في الدنيا والآخرة .
- دوام الملك وعدم زواله.
- حب الله تعالى والقبول في السماء والأرض (حب الملائكة والناس).
- الإحساس بالثقة والثبات والقوة والعزة والاستغناء بالله تعالى عما سواه.
- الصدع بالحق وحفظ الحقوق .
- تحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع
- الشـعور بالمساواة يقضي على الفتنة والنزاعات والمشاكل المهلكة للطاقات والموارد
- تفتح الآفاق للأفكار والإبداعات والابتكارات.
- تفضي إلى الاستغلال الأمثل لطاقات وجهود أفراد المجتمع .
- تعزز ثقافة وروح الحب والتعاون والتكافل والجماعية .
- تدفع الجميع إلى الذوبان في المجتمع والدولة وتغليب العام على الخاص .
- قوة وتماسك البنيان الاجتماعي والسياسي والتفاف الجماهير حول قادتها .
- تحقق الاستقرار السياسي الذي هو مفتاح التنمية الشاملة والنهوض.
وللعدل ثمرات طيبة يوضحها الجزائري ( د . ت ) :
(( روى أن قيصراً أرسل إلى عمر بن الخطاب رسولاً لينظر أحواله ويشاهد أفعاله ، فلما دخل المدينة سأل عن عمر وقال : أين ملككم ؟ فقالوا : مالنا ملك بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة ، فخرج في طلبه فرآه نائماً فوق الرمل ، وقد توسد درته ، وهي عصاً صغيرة كانت دائماً بيده يغير بها المنكر ، فلما رآه على هذه الحال وقع الخشوع في قلبه وقال : رجل يكون جميع الملوك لا يقر لهم قرار من هيبته ، وتكون هذه حالته ، ولكنك يا عمر عدلت فنمت وملكنا يجور ، فلا جرم أنه لا يزال ساهراً خائفاً ))
التطبيقات العملية للعدل في حياتنا اليومية
- العدل بالتزام الكتاب والسنة .
- العدل بإعلاء كلمة الله تعالى وعدم الاكتراث للومه لائم.
- العدل في الجهر بالحق في وقته ومكانه وظرف المناسب.
- العدل من النفس بالوفاء للناس بحقوقهم .
- العدل بين الزوجين بوفاء الحقوق المتبادلة .
- العدل بين الأبناء في المعاملة والعطايا.
- العدل بين معاملة البنين والبنات الأبناء.
- العدل في الوفاء بحقوق والتزامات العمل.
- العدل في الحكم على الأعمال والإنجازات وتقديرها بقدرها دون محاباة لأحد.
- العدل في الحكم بين الناس.
- العدل في تقييم الأفراد .
- العدل في المنح والعطايا .
- العدل في المحاسبة والعقوبات .
- العدل بين الزوجات.
- العدل من النفس برد الحقوق والمظالم.
- العدل في اختيار ممثلي الشعب في المجالس النيابية المختلفة بحسب صفاتهم وقدرتهم وتأهيلهم لتمثيل الشعب وحماية حقوقه وقراره .
- العدل مع النفس في الاعتراف بالخطأ والتقصير .
- العدل في عدم بخس الناس أشياءهم من الأفكار والأعمال والانجازات والممتلكات .
- العدل من إخوانك بان تنصرهم مظلومين بمعاونتهم على استرداد حقوقهم، وظالمين بردهم إلى الحق والصواب والأخذ على أيديهم .
العدل والمساواة سمة من سمات الروم قديماً وحديثاً
لقد أثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه قديماً على الروم بذلك، وهذه الصفة مشهورة فيهم، ولا يضيرنا نحن المسلمين أن نقول: إن فيهم صفة المساواة أو العدل أو الشجاعة، فنحن أمة العدل، ومن عدلنا أننا لا نظلم أمة من الأمم، ولا ننكر ما لها من صفات حق، مع علمنا أنها أمة كافرة، ولا يغني ذلك عنها شيئاً، ولا ينفعها عند الله، ولا ينجيها من سيوف المسلمين في الدنيا أيضاً؛ لأن سنة الله في النصر والتمكين لعباده الصالحين تغلب ما عند أولئك.
لكن الواقع يشهد بوجود شيء مما ذكرنا في تلك البلاد، فمثلاً عند الدول الغربية التي تدخل تحت ما يسمى بالدول الديمقراطية: إذا أراد الإنسان أن يقدم إليهم لاجئاً ومهاجراً يريد الإقامة، فإنهم يشترطون عليه أن يتقدم بطلب للحصول على الإقامة، ثم ينتظر بعد ذلك الرد، وبعد ذلك تنفق عليه الدولة، وتعطيه مرتباً أسبوعياً يكفيه لإعاشته؛ سواءٌ كان وحده أو مع أسرته، ولا يطالبه أحد بشيء، إنما كل ما يلزم به أن يبرز لهم ما يثبت أن لديه ملفاً لمراجعة موضوع إقامته، فإذا حصل على الإقامة؛ فعندها يصبح له حقوق كأي مواطن في تلك الدولة، وإذا لم يحصل له ذلك، فإنه يطلب منه مغادرة البلاد، وفي كلا الحالتين ما لم يحصل على عمل؛ فإنه يحصل على نفقة وسكن وكل ما يضمن له أن يعيش ويكف نفسه حتى يحصل له مراده؛ إما أن يجد عملاً أو يسافر، وهذه قاعدة يتعاملون بها ويتعارفون عليها، ولا شك أن هذا عدل، وجدير أن يدوم سلطان من كان هذا شأنه، على ما فيه من كفر أو شرك.
وكذلك لا يمكن أن يحاكم أي إنسان هناك إلا بتهمة قانونية، وإن كان التحاكم إلى قانونهم كفر بلا شك، لكنهم يعدلون في تطبيقه، وأصل المبدأ من العدل، وهو أن الإنسان لا يؤاخذ بالتهمة أو بالظن ويرمى في السجون إلى ما لا نهاية، بل لابد أن يكون الأخذ قانونياً، والأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت التهمة، وهذا موجود في شرعنا وديننا وفيما قبله من شرائع الله، وربما كانت هذه لديهم من بقايا الأديان، ولكنهم أصّلوها وعملوا بها، فالأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأنَّ من حقه أن يتخذ محامياً وأن تكون المحاكمة علنية ومدنية.
الظلم سبب من أسباب انحطاط المسلمين
إن ما يحصل في بعض بلاد الكفار من عدل وتطبيق للقانون هو خلاف ما يقع أحياناً في بعض الدول التي تدعي أنها إسلامية، حيث تشكل فيها محاكم عسكرية خصوصاً للدعاة إلى الله، ولا يخفى ما يقع في هذه الدول من حرب للدعاة وسجن لهم، مع وضوح أنهم لا يدعون إلا إلى الله، وربما لا يكون لديهم أي تهمة على الإطلاق، وربما أخذ من ليس له ذنب على الإطلاق.
فهذه السنن التي سنها الله سبحانه وتعالى؛ بها يقوم أمر أولئك الكفار، وبها يزول من كان على غير العدل، وإن كان من أهل الإسلام، هذا في الدنيا.
أما في الآخرة، فأولئك ليس لهم في الآخرة إلا النار، وأما المسلمون فربما يعاقبون في الدنيا بزوال النعم؛ لأنهم فرطوا ولم يقوموا بالعدل، ومآلهم في الآخرة إلى الله، وهذه السنة قديمة، ولهذا فإن كسرى أنو شروان الذي اشتهر بعدله مُكِّن له في الملك، يقول حافظ إبراهيم :
أتى عمر فأنسى عدل كسرى كذلك كان عهد الراشدينا
فإن كسرى استطاع أن يحتل بلاد العراق والشام .
ومع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مكن الله سبحانه وتعالى لـهرقل ؛ فغلب أولئك الفرس، وفيه أنزلت: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ [الروم:1-4]
فغلب هرقل على أولئك الفرس، لأنه كان متديناً وكان عادلاً. وهكذا سنة الله في القديم والحديث لا تختلف، والظلم لا يدوم، فالانهيار الحاصل في المجتمعات الشيوعية سببه الظلم.
قال: "وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم } فالباغي يصرع في الدنيا، وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة؛ وذلك لأن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق".
جعل الله قيام الدنيا بالعدل سبباً من الأسباب التي تتخذ،كما أن الإنسان إذا اتخذ أي سبب مادي لقيام بنيان، وكان هذا السبب صحيحاً، قام البنيان، فإن لم يتخذه لم يقم، فالعدل من أسباب قيام الملك وبقاء الدولة، قال رحمه الله: "فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق